فصل: مناسبة الآيات لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج البيهقي في الشعب، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا خضرة حلوة؛ من اكتسب فيها مالًا من غير حله وأنفقه في غير حله، أحلّه دار الهوان. ورُبَّ متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة» يقول الله: {كلما خبت زدناهم سعيرًا}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {مأواهم جهنم} يعني، أنهم وقودها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق علي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {كلما خبت} قال: سكنت.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {كلما خبت زدناهم سعيرًا}. قال: كلما طفئت أسعرت وأوقدت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {كلما خبت زدناهم سعيرًا} قال: كلما أحرقتهم سعر بهم حطبًا، فإذا أحرقتهم فلم يبق منهم شيء صارت حمراء تتوهج. فذلك خبؤها، فإذا بدلوا خلقًا جديدًا عاودتهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {كلما خبت زدناهم سعيرًا} يقول: كلما احترقت جلودهم بدلوا جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {كلما خبت} قال: الخبء، الذي يطفأ مرة ويشعل أخرى. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
وتخبو النار عن أدنى أذاهم ** وأضرمها إذا ابتردوا سعيرًا

وأخرج ابن الأنباري عن أبي صالح في قوله: {كلما خبت} قال: معناه كلما حميت.
{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {خزائن رحمة ربي} قال: الرزق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {إذا لأمسكتم خشية الإنفاق} قال: إذن ما أطعمتم أحدًا شيئًا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {خشية الإنفاق} قال: الفقر، وفي قوله: {وكان الإنسان قتورًا} قال: بخيلًا.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {خشية الإنفاق} قال: خشية الفاقة {وكان الإنسان قتورًا} قال: بخيلًا ممسكًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {وَمَن يَهْدِ الله}:
يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ مندرجةً تحت المَقُولِ، فيكون محلُّها نصبًا، وأن تكونَ مِنْ كلامِ اللهِ، فلا مَحَلَّ لها لاستئنافِها، ويكون في الكلامِ التفاتٌ؛ إذ فيه خروجٌ مِنْ غَيْبَةٍ إلى تكلُّم في قوله: {ونَحْشُرهم} وحُمِل على لفظِ {مَنْ} في قوله: {فهو المهتدِ} فَأُفْرِد، وحُمِل على معنى {مَنْ} الثانيةِ في قوله: {وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ}. فجُمعَ. ووجهُ المناسبةِ في ذلك-والله أعلم-: أنه لمَّا كان الهَدْي شيئًا واحدًا غيرَ متشعبِ السبلِ ناسَبَه التوحيدُ، ولمَّا كان الضلالُ له طرقٌ نحو: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] ناسب الجمعُ الجمعَ، وهذا الحملُ الثاني مِمَّا حُمِل فيه على المعنى، وإن لم يتقدَّمْه حَمْلٌ على اللفظ. قال الشيخُ: وهو قليلٌ في القرآن. يعني بالنسبةِ إلى غيرِه. ومثلُه قوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42] ويمكن أن يكونَ المُحَسِّنَ لهذا كونُه تقدَّمَه حَمْلٌ على اللفظِ وإنْ كان في جملةٍ أخرى غيرِ جملتِه.
وقرأ نافعٌ وأبو عمروٍ بإثباتِ ياء {المُهْتدي} وصلًا وحَذْفْها وقفًا، وكذلك في التي تحت هذه السورة، وحَذَفها الباقون في الحالين.
قوله: {على وُجُوهِهِمْ} يجوز أَنْ يتعلَّقَ بالحشر، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من المفعول، أي: كائنين ومَسْحوبين على وجوههم.
قوله: {عُمْيًا} يجوز أن تكونَ حالًا ثانية، أو بدلًا من الأولى، وفيه نظرٌ؛ لأنه تَظْهَرُ أنواعُ البدلِ وهي: كلٌّ من كل، ولا بعضٌ من كل، ولا اشتمالٌ، وأن تكونَ حالًا من الضمير المرفوع في الجارِّ لوقوعِهِ حالًا، وأن تكونَ حالًا من الضميرِ المجرورِ في {وجوهِهم}.
قوله: {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} يجوزُ في هذه الجملةِ الاستئنافُ والحاليةُ: إمَّا من الضميرِ المنصوبِ أو المجرورِ.
قوله: {كُلَّمَا خَبَتْ} يجوز فيها الاستئنافُ والحاليةُ مِنْ {جهنم} والعاملُ فيها معنى المَأْوَى.
وخَبَتِ النار تَخْبُو: إذا سكن لهَبُها، فإذا ضَعُفَ جَمْرُها قيل: خَمَدَتْ، فإذا طُفِئَتْ بالجملةِ قيل: هَمَدَت. قال:
وَسْطُه كاليَراعِ أو سُرُجِ المِجْ ** دَلِ حِيْنًا يَخْبُو وحِينًا ينيرُ

وقال آخر:
لِمَنْ نارٌ قبيل الصُّبْ ** حِ عند البيتِ ما تَخْبُو

إذا ما أُخْمِدَتْ اُلْقِيْ ** عليها المَنْدَلُ الرَّطْبُ

وأَدْغَم التاءَ في زاي {زِدْناهم} وأبو عمروٍ والأخَوان وورشٌ، وأظهرها الباقون.
قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ}:
يجوز أَنْ يكونَ مبتدأً وخبرًا، و{بأنَّهم} متعلِّقٌ بالجزاء، أي: ذلك العذابُ المتقدَّمُ جزاؤهم بسببِ أنهم، ويجوز أَنْ يكونَ {جزاؤهم} مبتدأ ثانيًا، والجارُّ خبرُه، والجملةُ خبرُ {ذلك}، ويجوز أن يكونَ {جزاؤهم} بدلًا أو بيانًا، و{بأنَّهم} الخبرُ.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)}.
قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَهُمْ}: معطوفٌ على قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ} لأنه في قوة: قد رَأَوْا، فليس داخلًا في حَيَّز الإِنكار، بل معطوفًا على جملته برأسها.
قوله: {لاَّ رَيْبَ فِيهِ} صفةٌ ل {أجَلًا}، أي: أجلًا غيرَ مرتابٍ فيه. فإن أريد به يومُ القيامة فالإِفرادُ واضحٌ، وإن أريد به الموتُ فهو اسم جنسٍ إذ لكلِّ إنسان أجلٌ يَخُصه.
قوله: {إَلاَّ كُفُورًا} قد تقدَّم قريبًا.
{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ}.
قوله تعالى: {لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ}: فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها:- وإليه ذهب الزمخشري والحوفي وابن عطية وأبو البقاء ومكي- أن المسألة من بابِ الاشتغال، ف {أنتم} مرفوعٌ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّره هذا الظاهرُ، لأنَّ {لو} لا يليها إلا الفعلُ ظاهرًا أو مضمرًا، فهي كإنْ في قولِه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين} [التوبة: 6] وفي قوله:
وإن هو لم يَحْمِلْ على النفس ضَيْمَها ** فليس إلى حُسْنِ الثَّناء سبيلُ

والأصل: لو تملكون، فحذف الفعلَ لدلالةِ ما بعده عليه فانفصل الضميرُ وهو الواوُ؛ إذ لا يمكن بقاؤُه متصلًا بعد حَذْف رافِعِه. ومثلُه: وإن هو لم يَحْمِلْ الأصلُ: وإن لم يَحْمل، فلمَّا حُذِف الفعلُ انفصل ذلك الضميرُ المستتر وبَرَزَ، ومثلُه فيما نحن فيه قولُ الشاعر:
لو ذاتُ سِوارٍ لَطَمَتْني

وقولُ المتلمس:
ولو غيرُ أَخْوالي أرادُوا نَقِيْصَتي

فذاتُ سوار مرفوعةٌ بفعلٍ مفسَّرٍ بالظاهرِ بعده.
الثاني: أنه مرفوعٌ بكان وقد كَثُر حَذْفُها بعد {لو} والتقدير: لو كنتم تملكون، فَحُذِفَتْ كان فانفصل الضمير، و{تملكون} في محلِّ نصبٍ بكان وهو قولُ ابنِ الصائغِ. وقريبٌ منه قولُه:
أبا خُراشَةَ أمَّا أنتَ ذا نَفَرٍ

فإنَّ الأصلَ: لأَنْ كنتَ، فحُذِفَتْ كان فانفصل الضمير إلا أنَّ هنا عُوِّض مِنْ كان ما، وفي {لو} لم يُعَوَّض منها.
الثالث: أنَّ {أنتم} توكيدٌ لاسمِ كان المقدرِ معها، والأصلُ: لو كنتم أنتم تملِكُون فَحُذِفَتْ كان واسمها وبقي المؤكِّد، وهو قولُ ابن فضَّال المجاشعي. وفيه نظرٌ من حيث إنَّا نحذِفُ ما في التوكيد، وإن كان سيبويه يُجيزه.
وإنما أحوجَ هذين القائلَيْن إلى ذلك: كونُ مذهب البصريين في {لو} أنَّه لا يليها إلا الفعلُ ظاهرًا، ولا يجوز عندهم أَنْ يليَها مضمرًا مفسِّرًا إلى في ضرورةٍ أو ندورٍ كقوله:
لو ذاتَ سِوَارٍ لطمَتْني

فإن قيل: هذان الوجهان: أيضًا فيهما إضمار فعلٍ. قيل: ليس هو الإِضمارَ المَعْنِيَّ؛ فإنَّ الإِضمارَ الذي أَبَوْه على شريطةِ التفسير في غير كان، وأمَّا كان فقد كَثُر حَذْفُها بعد لو في مواضعَ كثيرةٍ. وقد وقع الاسمُ الصريحُ بعد لو غيرَ مذكورٍ بعده فعلٌ، أنشد الفارسي:
لو بغيرِ الماءِ حَلْقي شَرِقٌ ** كنت كالغصَّانِ بالماءِ اعتصاري

إلا أنه خرَّجه على أنه مرفوعٌ بفعلٍ مقدر يُفَسِّره الوصفُ مِنْ قوله: شَرِقٌ وقد تقدَّم تحقيق القول في {لو} فلنقتصِرْ على هذا.
قوله: {لأمْسَكْتُمْ} يجوز أن يكونَ لازمًا لتضمُّنِه معنى بَخَلْتُمْ، وأن يكونَ متعدِّيًا، ومفعولُه محذوفٌ، لأَمْسَكْتُم المال، ويجوز أن يكونَ كقوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258].
قوله: {خَشْيَةَ الإنفاق} فيه وجهان، أظهرهما: أنه مفعولٌ مِنْ أجله.
والثاني: أنه مصدرٌ في موضع الحال، قاله أبو البقاء، أي: خاشِين الإِنفاقَ. وفيه نظرٌ؛ إذ لا يقع المصدرُ المعرَّفُ موقعَ الحالِ إلا سماعًا نحو: جَهْدَك وطاقتَك وكقوله:
وأرسلها العِراك

ولا يُقاسُ عليه. والإِنفاقُ مصدرُ أنفق، أي: أَخْرَجَ المالَ. وقال أبو عبيدة: وهو بمعنى الافتقار والإِقتار. اهـ.

.تفسير الآيات (101- 104):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)}.

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قدم سبحانه أن أكثر الناس جحد الآيات لكونه حكم بضلاله، ومن حكم بضلاله لا يمكن هداه، وختم بأن من جبل على شيء لم ينفك عنه، شرع يسلي نبيه عليه الصلاة والسلام بما اتفق لمن قبله من إخوانه الأنبياء، مع التنبيه على أنه يجود بالآيات على حسب المقتضيات، وعلى أن خوارق العادات لا تنفع في إيمان من حكم عليه بالضلال، وتوجب- كما في سنه الله- إهلاك من عصى بعد ذلك بعذاب الاستئصال، فقال عاطفًا على قوله: {ولقد صرفنا للناس}: {ولقد ءاتينا} أي بما لنا من العظمة {موسى} بن عمران المتقي المحسن عليه السلام لما أرسلناه إلى فرعون {تسع آيات بينات} وهي- كما في التوراة: العصى، ثم الدم، ثم الضفادع، ثم القمل، ثم موت البهائم، ثم البرد الكبار التي أنزلها الله مع النار المضطرمة، فكانت تهلك كل ما مرت عليه من نبات وحيوان، ثم الجراد، ثم الظلمة، ثم موت الأبكار من الآدميين وجميع الحيوان- كما مضى ذلك في هذا الكتاب عن التوراة في سورة الأعراف، وكأنه عد اليد مع العصى آية، ولم يفرد اليد لأنه ليس فيها ضرر عليهم، وقد نظمتها ليهون حفظها فقلت:
عصى قمل موت البهائم ظلمة ** جراد دم ثم الضفادع والبرد

وموت بكور الآدمي وغيره ** من الحيّ آتاها الذي عز وانفرد

وهي ملخصة في الزبور فإنه قال في المزمور السابع والسبعين: صنع آياته وعجائبه في مصارع صاعان، وجعل أنهارهم دمًا وصهاريجهم لكيلا يشربوا الماء: أرسل عليهم الهوام وذباب الكلاب فأكلهم الضفادع وأفسدهم، أطعم القمل ثمارهم والجراد كدهم، كسر بالبرد كرومهم، وبالجليد تبنهم، أسلم للبرد مواشيهم وللحريق أموالهم، أرسل عليهم شدة حنقه سخطًا وغضبًا، أرسل ملائكة الشر، فتح طرق سخطه، ولم يخلص من الموت أنفسهم، أسلم للموت دوابهم، قتل جميع أبكار مصر وأول أولادهم في مساكن حام.
وقال في المزمور الرابع بعد المائة بعد أن ذكر صنائع الله عند بني إسرائيل وآبائهم: بعث جوعًا على الأرض، حطم زرع أرضهم، أرسل أمامهم رجلًا، بيع يوسف للعبودية، وأوثقوا بالقيود رجليه، صارت نفسه في الحديد حتى جاءت كلمته، وقول الرب ابتلاه، أرسل الملك فأطلقه، وجعله رئيسًا على شعبه، وأقامه ربًا على بنيه، وسلطانه على كل ما له، ليؤدب أراجينه كنفسه ويفقه مشايخه، دخل إسرائيل مصر، وتغرب يعقوب في أرض حام، وكثر شعبه جدًا، وعلا على أعدائه، وصرف قلبه ليبغض شبعه ويغدر بعبيده، أرسل موسى عبده وهارون صفيه، فصنعا فيهم آياته وعجائبه في أرض حام، بعث ظلمة فصار ليلًا، وأسخطوا كلامه، فحول مياههم دمًا، وأمات حيتانهم، وانبعثت أرضهم ضفادع في قياطين ملوكهم، أمر الهوام فجاء وذباب الكلب والقمل في جميع تخومهم، جعل أمطارهم بردًا، واشتعلت النار في أرضهم، ضرب كرومهم وتبنهم، وكسر شجر تخومهم، أذن للجراد فجاء وذباب لا يحصى، فأكل جميع عشب الأرض وثمارها، وقتل كل أبكار مصر وأول ولد ولد لهم غير أنه لم يذكر العصى، وكأن ذلك لشهرتها جدًا عندهم، ولأن جميع الآيات كانت بها، فهي في الحقيقة الآية الجامعة للكل، وإنما قلت: إن الآيات هذه، لأن السياق يدل على أن فرعون رآها كلها، وعاند بعد رؤيتها، وذلك إشارة إلى أنه لو أعطى كفار قريش ما اقترحوه من تفجير الينبوع وما معه، لم يكفهم عن العناد، فالإتيان به عبث لا مصلحة فيه.